بمناسبة انعقاد الدورة الجديدة للمسرح التجريبي، أعيد هنا نشر هذا المقال، وذلك لتعم الفائدة وتنتشر السعادة في المجتمع والمجتمعات المجاورة.
--------------------------
أول مرة أسمع فيها عن مهرجان المسرح التجريبى كانت منذ ثلاثة أعوام.
كنت أسير فى العتبة وبالصدفة رأيت إعلانات ضخمة عن المهرجان على جدران مجموعة المسارح المتاخمة لمحطة الأوتوبيس، وأنا أعرف أن بلادنا بها أشياء عجيبة كثيرة تدعمها وزارة الثقافة دون أن يعرف أحد عنها شيئا: مثل كتب الهيئة العامة لقصور الثقافة ذات الخمسين قرشا، ومعارض وندوات لا يعرف لها أحد طريقا. قلت فلأسأل مادامت الأسئلة معفاة من الضرائب حتى الآن. سألت وهالنى أن تذكرة المسرحية بجنيهين اثنين! وأنا أعرف أن أقل تذكرة لمسرحيات الهلس التى يعرضها القطاع الخاص بمائة جنيه كاملة. وعلى أساس أن اللى يلاقى عز وما يتدلعش ربنا هيحاسبه، قررت أننى لابد أن أحضر بعض مسرحيات المهرجان.
اتصلت بمجموعة من الأصدقاء لكننى لم أجد أية استجابة. مسرح إيه؟ تجريبى؟ شكرا مش عايزين النهاردة! ولم أجد وسيلة أجد بها مرافقا سوى صديق أقنعته بالقدوم عن طريق التهديد بقطع إمداداتى من شرائط الكاسيت عنه، لكن ذلك الصديق خدعنى وخذلنى هو الآخر إذ انتظرته على المحطة ولم يأتِ، لذا ذهبت إلى العرض وحدى.
قطعت التذكرة وظللت واقفا وسط الجماهير أمام الباب. مضى وقت بدء العرض ولم أر أحدا يدخل، وكانت هناك جمهرة أمام الباب وشخص متجهم يسد الباب بجسده فى وجه الجماهير، ثم أدركت شيئا ما، إن كل هؤلاء الواقفين على الباب ليسوا سوى طلبة كليات الفنون، وهؤلاء معهم تذاكر مجانية لا يسمح لهم أحد بالدخول بها. فهتفت أن معى تذكرة وأبرزتها. رأيت علامات العجب على وجه الواقف على الباب من أن هناك مجنونا قد اشترى تذكرة. أدخلنى فوجدت جزءا من العرض قد فاتنى، والقاعة الصغيرة ممتلئة عن آخرها بالنقاد! لم أجد مكانا للجلوس فشاهدت العرض واقفا.
كنت قد اخترت مسرحية هولندية لا أذكر اسمها الآن، ولم يكن بالمسرحية سوى ممثلة وحيدة صلعاء الرأس! وفى وسط المسرح كانت هناك كومة من الملابس ملقاة فوق بعضها على الأرض. فى كل مرة تنتقى الممثلة مجموعة من الملابس وتتقمص الشخصية التى تعبر عنها، وهكذا عبرت عن مجموعة من الشخصيات المختلفة، والمعنى هو أن شخصية الإنسان يمكن أن تتشكل وأن تختلف باختلاف البيئة. ستسألنى الآن وماذا كانت ترتدى الممثلة قبل أن تختار الملابس من الأرض. أقول لك أنها كانت ترتدى "شراب" فيليه! شراب رقيق شبه شفاف من القدمين وحتى الرقبة، وقد لاحظت أنه شراب قديم لأن به بعض الثقوب! وفى الحقيقة فقد أعجبنى جدا هذا الشراب، كما أنه أعجب أيضا لجنة التحكيم لأنهم منحوها جائزة أحسن ممثلة فى نهاية الدورة!
حكيت لأصدقائى حكاية الشراب فندموا على عدم الحضور. قلت لهم ألا يبتئسوا فلازال هناك المزيد من العروض. وهكذا ذهبت فى المرة الثانية مع ثلاثة أصدقاء أتوا على سيرة الشراب، واخترنا مسرحية من البرتغال. هذه المرة كنت واسع الخبرة فبمجرد أن قطعنا التذاكر حتى أخذت أصرخ بأعلى صوتى بأن معنا تذاكر وأنا أرفعها عاليا! وهكذا لحقنا العرض من أوله.
بدأت المسرحية وكان المسرح مظلما تماما، ومضى علينا بعض الوقت ونحن نسمع كلاما بالبرتغالية ونحن فى ظلام دامس، ثم أخذ شخص ما يضيء أعوادا من الكبريت وهو يتكلم، وكان الضوء ضعيفا جدا حتى أننا لم نر شيئا، وندمت فى ذلك اليوم على عدم اهتمامى بتعلم اللغة البرتغالية. وفى نهاية العرض قام الممثلون بفتح علبة لبن مبستر سعة واحد لتر وسكبوها على الأرض فى ضوء عود الكبريت!
لا داعى طبعا لأن أذكر ماذا فعل بى أصدقائى ونحن خارجون من المسرح، وقد كانت هذه هى نهاية عهدى بالمسرح التجريبى!
--------------------------
أول مرة أسمع فيها عن مهرجان المسرح التجريبى كانت منذ ثلاثة أعوام.
كنت أسير فى العتبة وبالصدفة رأيت إعلانات ضخمة عن المهرجان على جدران مجموعة المسارح المتاخمة لمحطة الأوتوبيس، وأنا أعرف أن بلادنا بها أشياء عجيبة كثيرة تدعمها وزارة الثقافة دون أن يعرف أحد عنها شيئا: مثل كتب الهيئة العامة لقصور الثقافة ذات الخمسين قرشا، ومعارض وندوات لا يعرف لها أحد طريقا. قلت فلأسأل مادامت الأسئلة معفاة من الضرائب حتى الآن. سألت وهالنى أن تذكرة المسرحية بجنيهين اثنين! وأنا أعرف أن أقل تذكرة لمسرحيات الهلس التى يعرضها القطاع الخاص بمائة جنيه كاملة. وعلى أساس أن اللى يلاقى عز وما يتدلعش ربنا هيحاسبه، قررت أننى لابد أن أحضر بعض مسرحيات المهرجان.
اتصلت بمجموعة من الأصدقاء لكننى لم أجد أية استجابة. مسرح إيه؟ تجريبى؟ شكرا مش عايزين النهاردة! ولم أجد وسيلة أجد بها مرافقا سوى صديق أقنعته بالقدوم عن طريق التهديد بقطع إمداداتى من شرائط الكاسيت عنه، لكن ذلك الصديق خدعنى وخذلنى هو الآخر إذ انتظرته على المحطة ولم يأتِ، لذا ذهبت إلى العرض وحدى.
قطعت التذكرة وظللت واقفا وسط الجماهير أمام الباب. مضى وقت بدء العرض ولم أر أحدا يدخل، وكانت هناك جمهرة أمام الباب وشخص متجهم يسد الباب بجسده فى وجه الجماهير، ثم أدركت شيئا ما، إن كل هؤلاء الواقفين على الباب ليسوا سوى طلبة كليات الفنون، وهؤلاء معهم تذاكر مجانية لا يسمح لهم أحد بالدخول بها. فهتفت أن معى تذكرة وأبرزتها. رأيت علامات العجب على وجه الواقف على الباب من أن هناك مجنونا قد اشترى تذكرة. أدخلنى فوجدت جزءا من العرض قد فاتنى، والقاعة الصغيرة ممتلئة عن آخرها بالنقاد! لم أجد مكانا للجلوس فشاهدت العرض واقفا.
كنت قد اخترت مسرحية هولندية لا أذكر اسمها الآن، ولم يكن بالمسرحية سوى ممثلة وحيدة صلعاء الرأس! وفى وسط المسرح كانت هناك كومة من الملابس ملقاة فوق بعضها على الأرض. فى كل مرة تنتقى الممثلة مجموعة من الملابس وتتقمص الشخصية التى تعبر عنها، وهكذا عبرت عن مجموعة من الشخصيات المختلفة، والمعنى هو أن شخصية الإنسان يمكن أن تتشكل وأن تختلف باختلاف البيئة. ستسألنى الآن وماذا كانت ترتدى الممثلة قبل أن تختار الملابس من الأرض. أقول لك أنها كانت ترتدى "شراب" فيليه! شراب رقيق شبه شفاف من القدمين وحتى الرقبة، وقد لاحظت أنه شراب قديم لأن به بعض الثقوب! وفى الحقيقة فقد أعجبنى جدا هذا الشراب، كما أنه أعجب أيضا لجنة التحكيم لأنهم منحوها جائزة أحسن ممثلة فى نهاية الدورة!
حكيت لأصدقائى حكاية الشراب فندموا على عدم الحضور. قلت لهم ألا يبتئسوا فلازال هناك المزيد من العروض. وهكذا ذهبت فى المرة الثانية مع ثلاثة أصدقاء أتوا على سيرة الشراب، واخترنا مسرحية من البرتغال. هذه المرة كنت واسع الخبرة فبمجرد أن قطعنا التذاكر حتى أخذت أصرخ بأعلى صوتى بأن معنا تذاكر وأنا أرفعها عاليا! وهكذا لحقنا العرض من أوله.
بدأت المسرحية وكان المسرح مظلما تماما، ومضى علينا بعض الوقت ونحن نسمع كلاما بالبرتغالية ونحن فى ظلام دامس، ثم أخذ شخص ما يضيء أعوادا من الكبريت وهو يتكلم، وكان الضوء ضعيفا جدا حتى أننا لم نر شيئا، وندمت فى ذلك اليوم على عدم اهتمامى بتعلم اللغة البرتغالية. وفى نهاية العرض قام الممثلون بفتح علبة لبن مبستر سعة واحد لتر وسكبوها على الأرض فى ضوء عود الكبريت!
لا داعى طبعا لأن أذكر ماذا فعل بى أصدقائى ونحن خارجون من المسرح، وقد كانت هذه هى نهاية عهدى بالمسرح التجريبى!