"عندئذ، رفعت ذراعي المصابة إلى فمي، وبدأت آكل نفسي".
كانت هذه هي الجملة الأخيرة من رواية (اللجنة) لصنع الله إبراهيم. كانت اللجنة قد حكمت على بطل القصة بأن يأكل نفسه، نظرا لطموحه الزائد الذي تجاوز إمكانياته، وسعيه المهووس وراء المعرفة، وتهوره في تحدي اللجنة.
هذه النهاية المأساوية ليست خيالية جدا، وغير بعيدة الحدوث في الواقع، فهناك حالات عديدة يحدث فيها أن يأكل الإنسان أو الحيوان نفسه، أو بمعنى أدق أجزاء من جسده، وهذا هو ما سننظر إليه في هذه السطور.
يُطلق على أكل الكائن لأجزاء من جسده الكانيباليزم الذاتي. أما الكانيباليزم فهو أن يأكل الكائن كائنا من نفس جنسه. كما يحدث في حالة القبائل من أكلة لحوم البشر، وكما يحدث عندما تأكل الحيوانات جثث موتاها الذين ينتمون إلى نفس النوع.
نبدأ بعالم الحيوانات، حيث يقوم الحيوان المعروف بالجدجد أو صرصار الليل بأكل أجنحته، كما أن الفأر يأكل ذيله في حالة الجوع الشديد. ويصاب حيوان الأخطبوط أحيانا بمرض بكتيري أو فيروسي يجعله يشعر بحكة شديدة في أذرعه حتى أنه يأكلها ليتخلص منها. لكن في حالة الأخطبوط من السهل أن ينمو له أذرع أخرى بعد ذلك. أسماك القرش أيضا قد يحدث لها شيء كهذا إذا أصيبت وخرج منها الدم، فالقرش يصاب بالجنون إذا شم رائحة الدم حتى أن القرش يحاول أن يأكل نفسه، جنبا إلى جنب مع زملائه من القروش الذين سيهجمون عليه لالتهامه! وقد وصف بيتر بنشلي هذا المشهد بالتفصيل في روايته الفك المفترس.
وبعيدا عن الحالات المرضية فإننا كأشخاص عاديين نمارس الكانيباليزم الذاتي حين نقضم أظافرنا ونبتلعها، أو حين نعض على شفاهنا أو نقشرها بأسناننا ونبتلع القشور، أو حين نأكل الزوائد الجلدية عند الأظافر. والجسم البشري نفسه يقوم دائما بامتصاص الخلايا الميتة من اللسان والخد مما يعد أيضا نوعا من الكانيباليزم الذاتي.
هناك حالات مرضية تؤدي بالشخص إلى التهام أجزاء من جسده، مثل متلازمة "ليش – نيهان"، وهو مرض وراثي نادر يؤدي بالمصاب إلى أن يقضم شفتيه ولسانه وأظافره بحركات عصبية.
وهناك أيضا حالات لبعض الناس الذين يأكلون شعر رأسهم، ويطلق عليها متلازمة رابونزيل، ورابونزيل بالمناسبة هي بطلة لإحدى قصص الأخوان جريم والتي كانت محبوسة في برج عالٍ وتدلي شعرها من البرج ليصعد عليه حبيبها!
هناك أشخاص أصحاء يمارسون الكانيباليزم الذاتي بإرادتهم، مثل الأشخاص الذين يشربون دمهم في طقوس الفامبيريزم، وبعض الأمهات اللواتي تأكلن المشيمة بعد الولادة كما تفعل الحيوانات، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يشربون البول الخاص بهم، ومنهم أفراد الصاعقة في الجيوش الذين ينفعهم هذا الأمر في حالات الحروب والأسر والضياع في الصحراء ويحافظ عليهم أحياء، وأيضا الذين يتبعون قاعدة الدكتور "راو" الذي يقول أن قيام الإنسان بشرب كوب من بوله الشخصي كل صباح له فوائد صحية لا تحصى!
وهناك أيضا الذين مارسوا الكانيباليزم الذاتي رغما عنهم كجزء من عمليات التعذيب أو أثناء الأسر في الحروب. ففي عام 1991 في السودان تم إجبار بعض الشباب على أن يأكلوا آذانهم، ويقال أن المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكا في القرن السادس عشر كانوا يجبرون الهنود الحمر الأسرى على أكل أجزائهم الحميمة، وفي التاريخ هناك شخصية تدعى "إليزابيث باثوري" عاشت في القرن السادس عشر كانت تجبر خدامها على أكل لحمهم. وفي فيلم هانيبال لأنتوني هوبكنز شاهدنا الدكتور هانيبال ليكتر وهو يقوم بقلي أجزاء من مخ ضحيته ويطعمه إياها بالملعقة، في واحد من أبشع المشاهد التي يمكن مشاهدتها في تاريخ السينما!