كتب - ميشيل حنا
سافرت إلى أثيوبيا عام 2012.
قبل أن أسافر، ذهبت إلى المركز الطبي الحكومي
التابع لمنطقتي، واستفسرت عن التطعيمات الواجب أخذها قبل السفر إلى أثيوبيا، وهناك
تم تطعيمي ضد الكوليرا والحمى الشوكية والحمى الصفراء، وهي الأمراض المتوطنة في البلد
الذي أنا ذاهب إليه. هناك أيضا الملاريا التي تحتاج إلى تعاطي أقراص بصفة يومية
للوقاية منها، ولكني لم أفعل لأن وباء الملاريا مقتصر على المناطق خارج أديس
أبابا، ولم أكن أنوي الذهاب إلى تلك المناطق.
حصلت على دفتر أصفر صغير مدوَّن به أنني حصلت
على تطعيمات ضد الأمراض الثلاثة المذكورة، مع تواريخ تبيِّن تواريخ انتهاء صلاحية
كل تطعيم، أو بمعنى آخر التواريخ التي سأصبح فيها غير محصن مرة أخرى. هذا الدفتر
الأصفر من المفروض أن أبرزه لمسئولي المطار عند عودتي إلى القاهرة، وإذا لم أفعل عليهم
أن يطبقوا عليّ إجراءات الحجر الصحي حتى يتبين أنني غير مصاب بأي من هذه الأوبئة.
لكن ما حدث فعليا هو أحدا لم يسألني عن الدفتر! أتيت
وخرجت من المطار دون أن يهتم أحد بكوني حاملا لأي وباء أم لا، على الرغم من كوني
قادما من دولة موبوءة بعدة أوبئة ويتطلب الذهاب إليها أولا تعاطي بعض التطعيمات.
كل ما اهتم به رجل الأمن الذي يقف على بوابة الخروج هو استجوابي بخصوص المكان الذي
أتيت منه وماذا يوجد في حقيبتي، ليطمئن أنه ليس معي ما يستحق دفع رسوم جمركية.
تنص إجراءات قانون الحجر الصحي في مصر بخصوص كل
من الحمى الصفراء والكوليرا أنه "يتم مناظرة القادمين وعزل الحالات المشتبه فيها،
وفي حالة عدم الاشتباه يتم إعطاء القادمين جرعة من المضاد الحيوي المناسب كوقاية، ويتم
متابعتهم صحياً بمحل إقامتهم عن طريق مكاتب الصحة التابعين لها لمدة خمسة أيام".
هل يحدث هذا فعلا على الأرض؟ حسبما رأيت: لا.
لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟
بسبب الإيبولا التي تنتظرنا. هذا المرض المرعب
الذي يؤدي بالإنسان إلى النزف من عينيه وأذنيه وباقي فتحات جسده، ويؤدي إلى الوفاة
في نسبة تصل إلى 90% من الحالات. الإيبولا صار على عتبات أبوابنا، بعد أن قتل ما
يزيد على ألف شخص خلال الفترة القصيرة الماضية في كل من غينيا وليبيريا وسيراليون،
وهي دول ليست بعيدة جدا عنا، لكن المشكلة الحقيقية ليست في القادمين من هذه الدول،
بل من القادمين من السعودية.
تستقبل السعودية شهريا نحو 400 ألف شخص من كل
أنحاء العالم، لأداء مناسك العمرة وزيارة الأماكن الدينية (يصل هذا العدد إلى 800
ألف شخص في رمضان). في السعودية أيضا أكبر عدد من المصريين المغتربين، والذي يقترب
عددهم من مليون مصري، يأتي الكثير جدا منهم إلى مصر لقضاء إجازات الصيف مع ذويهم.
إن احتمال أن يأتي المرض مع أحد المعتمرين الأفارقة إلى السعودية، ثم ينتقل منها عن
طريق أحد المصريين القادمين إلى مصر هو احتمال كبير جدا ووارد جدا، فماذا فعلت
السلطات الصحية في بلادنا لتجنب هذا الأمر؟
منذ بداية الأزمة وحتى الآن ونحن نقرأ عن
اجتماعات ومناقشات وتنسيقات بين وزارتي الصحة والطيران المدني بخصوص وباء الإيبولا
القادم، لكن هل هناك شيء يجري على الأرض فعلا أم أن الأمر لا يخرج عن كونها مجرد
اجتماعات وتوصيات؟ هل هناك أية علاقة بين الأشخاص الذين يحضرون الاجتماعات ويسنّون
القوانين والأشخاص العاملين في المطارات والمنوط بهم تنفيذ هذه القوانين؟ هل هناك
من يتابع تنفيذ القواعد أم أن القواعد في مصر توضع لتظل مكتوبة فقط مع انفصال تام
عن الواقع؟
وهذا يعيدنا إلى السؤال الذي يطرحه عنوان هذا
المقال: هل يؤدي الإهمال إلى دخول الإيبولا إلى مصر؟
------
نشر أولا في جريدة التحرير