أسكن في المعادي، ولدي شقة أخرى في مصر الجديدة.
كان والدي قد ابتاع لي هذه الشقة وأنا بعد طفل صغير حتى أسكن فيها عندما أتزوج. أما الشقة فكانت على المحارة بدون أي نوع من أنواع (التشطيب). ولازلت أحتفظ – مع عقد الشقة – بالإعلان الذي قصه والدي من الجريدة قبل الشراء وبه عبارة: "تشطيب سوبر لوكس"!
لكن لم يحدث بعد ذلك أن سكنت في هذه الشقة، ولم يدخلها قط عامل أو مقاول ليجعلها صالحة للسكن، فقد توفى أبى بعد شراء الشقة بوقت غير طويل، ربما سنة على الأكثر، رغم أنه كان بصحة جيدة جداً (وقد كان من الغريب أنهم وجدوا عقد الشقة أسفل الوسادة التي كان ينام عليها، وهو ليس مكاناً معتاداً للاحتفاظ بورقة كهذه). كما أنني – وبعد أن أكملت دراستي – سافرت إلى الخارج للعمل بإحدى دول الخليج، وكنت أقضي الإجازات السنوية في بيت العائلة. وبعد عدة سنوات، وقد بدأ رصيدي في البنك في التضخم، قررت الزواج.
فكان أن تزوجت من إحدى قريباتي في إحدى إجازاتي بالقاهرة وأخذتها معي إلى الخليج، وعشنا هناك. لكننا لم نكن راضيَين تماماً، فزوجتي لم تستطع التأقلم مع الجو شديد الحرارة، كما لم تستطع الاندماج في المجتمع هناك، لا صديقات، لا نزهات، لا حياة اجتماعية من النوع الذي تحبه. فكان أن اكتأبت وانطوت على نفسها. وصرت أفكر جدياً في العودة والاستقرار في القاهرة، فقررت أن أشترى شقة في إجازتي السنوية التالية.
وكان لابد للشقة أن تكون واسعة.. واسعة جداً، على الأقل مثل شقتي هنا. وفى أرقى منطقة حيث الهدوء التام، تماماً مثل المنطقة هنا. كما لا بد أن يتمتع الحي بحسن التخطيط واتساع الشوارع واتساقها مع وجود أماكن انتظار للسيارات، تماما مثل الحي هنا. وفكرت في منطقة المعادى.. وعزمت بالفعل على شراء شقة في المعادى، على أن أؤثثها فيما بعد عندما يتضخم رصيدي أكثر من ذلك بعد بضعة سنوات.
وصارحت زوجتي برغبتي ذات ليلة عندما تهيأنا للنوم، فكانت أكثر تحمساً منى, وخُيّل لي أنها نامت مرتاحة لأول مرة منذ فترة طويلة، وشعرت أنا أيضاً بالراحة، وبعد أن أغمضت عيني، تذكرت فجأة شقة مصر الجديدة.
( 2 )
نحن الآن في فصل الصيف.. إجازتي السنوية.. القاهرة.. مشروع شراء شقة في المعادى.
تجولت كثيراً مع الوُسَطاء. تعبت. لم أكن أتخيل أن الموضوع بهذه الصعوبة. لكن زوجتي استقرت أخيرا على هذه الشقة. واسعة جداً.. هادئة جداً.. مناسبة جداً.. وفى المعادى. لكنني دفعت معظم ما ادخرته لشرائها. لا بأس.. لازال بإمكاني ادخار المزيد، وهكذا فليس من المتوقع أن أعود نهائياً إلى القاهرة قبل بضع سنوات أخرى.
أقمنا احتفالاً صغيراً في بيت العائلة بهذه المناسبة، كانت والدتي قد أعدت لنا كل أصناف الطعام التي نحبها. كان تجمعاً عائلياً بهيجاً لم أحظ بمثله منذ سنوات. أحسست أن الدنيا ستبدأ في الابتسام لي وبدأت بضع زخات من السعادة تتسلل إلى قلبي. لكنى أصبت بشرقة بعد قليل وكدت أن أختنق وأصيب كل من حولي بالجزع.
سألتني والدتي والقلق يقطر من عينيها عما حدث. كنت قد تذكرت شقة مصر الجديدة فجأة وأحسست أن سحابة قد ظللت على قلبي لا أدرى لماذا. سألت والدتي عن هذه الشقة وما جرى لها وهل لا زالت موجودة. قالت أنها (بالطبع) موجودة وأنها لا زالت تحتفظ بالمفتاح. قالت لي كذلك أنها سمحت لشقيقي أن يستعملها كمخزن حين دخل في مشروع فاشل لتوزيع الأخشاب، وخسر ماله في شحنة أخشاب لم يستطع تصريفها حتى الآن، فألقاها كلها في الشقة التي لا زالت نوافذها بدون خشب أو زجاج. عزمت على رؤية هذه الشقة حين يأتي الصباح. قالت لي والدتي أن الخشب الموجود هناك منذ بضع سنوات قد أصابه السوس وعلته أطنان من الغبار، وأن الشقة أصبحت مرتعاً حقيقياً للحشرات والقوارض. أضاف أخي أن الشقة صارت مثل المقبرة.
شعرت بالغضب يهزني.
لابد وأنهم يحاولون بلبلتي وإثنائي عن المطالبة بحقي. إنها شقتي على كل حال. عقدها باسمي. اشتراها والدي لي أنا. طلبت المفتاح من أمي وقد عزمت على تغيير القفل والاحتفاظ بالمفتاح الجديد معي وحدي، وشعرت بالندم لأنني أهملتها كل هذه السنوات.
دخلت غرفتي وصفقت الباب في وجوههم جميعاً.
( 3 )
ذهبت اليوم لأرى شقة مصر الجديدة.
أوقفت تاكسياً:
- مصر الجديدة.
- تفضل.
وعندما اقتربنا من مصر الجديدة سألني:
- فين في مصر الجديدة ؟
ارتج عليّ، ولأول مرة أدركت أنني لا أعرف العنوان!
طلبت منه أن يتوقف ونزلت لأبحث عن أقرب هاتف، ورغم خصامي لأمي اتصلت بها لأسأل عن عنوان الشقة، وهى مزية مهمة لدى الأمهات: إنهن ينسين إساءة الأبناء أو يتجاهلنها بسرعة. عرفت العنوان وعدت إلى التاكسي الذي أوصلني إلى المكان المطلوب.
كانت عمارة قديمة من ثلاثة طوابق. شقة في كل طابق. شقتي في الطابق الثالث. ليس هناك بواب. لم ألحظ وجود أثر حياة أو سكان في أي من الطابقين الآخرين. صعدت السلم. باب الشقة خشبي متآكل. شممت رائحة عطنة قبل أن أفتح الباب، لابد أنها رائحة الخشب بعد أن بللته الأمطار ونما عليه العفن. فتحت الباب. كانت الأخشاب ملقاة بإهمال وبدون ترتيب في الصالة المتربة وخيوط عنكبوت مدلاة من السقف. والرائحة.. الرائحة لم تكن تحتمل. عطست عدة مرات.. استغرق الأمر عدة دقائق حتى اعتادت رئتيّ على الهواء.
سرت على مهل فوق الأخشاب المتناثرة إلى أن وصلت إلى الردهة. رأيت حمامة ترقد في عشها بين الأخشاب ما أن رأتني حتى انتفضت طائرة تاركة البيض، وكادت أن تصطدم بوجهي في طريقها إلى نافذة الصالة. تلفت حولي. لم يكن الأمر بهذا السوء، وشعرت أن كل شىء قابل للإصلاح.
دلفت بتؤدة إلى الحجرة التي في نهاية الردهة.. أخشاب وتراب وخراب. التفتّ يميناً وأجفلت. انخلع قلبي في صدري. كان وجهي قريباً جداً من وجه الغراب. أكبر غراب رأيته في حياتي. لا أعرف كيف تكون أحجام الغربان لكنى قط لم أكن بهذا القرب من أحدها. كان أسود اللون جداً. رأسه أسود. منقاره أسود. لم أتبين عينيه شديدتي السواد في البداية لكني بدأت أدرك أنهما موجودتان من التماعتهما. فقط بضع ريشات رمادية كئيبة في جناحيه لم تفلح في تبديد شيء من هذا السواد.
كان يرقد في عشه على خشبة مرتفعة وهو الآن على بعد سنتيمترات من وجهي ويحدّق بي. لا أعرف كيف لم أره في البداية عندما دخلت الحجرة. ربما لأنه أسود ويجلس في الظل. ربما لأنه أكثر سواداً من أي شيء رأيته في حياتي. تسمرت في مكاني وقلبي ينتفض كورقة. ربما ظللنا نحدق في بعضنا البعض لدقيقة أو اثنتين إلى أن بدأ عقلي يعمل مرة أخرى، وعندها تسللت رائحته النتنة إلى أنفي وشعرت أنني غير قادر على التنفس.
وإذ بدأت أرجع إلى وعيي، بدأت أدرك أنه مجرد غراب.. ليس أكثر من غراب. رفعت يدي بحركة عنيفة أريد أن (أهشه) ليخرج، لكن ما أن بدأت يدي في التحرك حتى انتفض طائراً إلى السقف. شعرت بالرعب من صوت خفقان جناحيه والهواء النتن الذي دفعاه إلى وجهي. (تخيلت في البداية – حين فرد جناحيه – أن الدنيا أظلمت من عظم حجمهما).
رفرف عدة مرات قرب السقف ثم هبط فجأة على رأسي. في البداية لم أشعر بشيء لكنني لم ألبث أن شعرت بألم مبرح في رأسي وأحسست كأن عيني اليمنى قد فقئت. صرخت من الألم وأنا أركض خارجاً وتعثرت عدة مرات في القطع الخشبية المتناثرة في كل مكان. جرحت ساعديّ ورجليّ. إلى أن استطعت الخروج من الشقة فحاولت محموماً أن أفتح عيني عنوة.. ووجدتني أرى.. لكن الرؤية كانت مساحة حمراء تماماً.
في المستشفى اعتقدوا أنني كنت في مشاجرة. كان هناك قطع طولي في الجبهة احتاج إلى ست غرزات، كما أن طبيب العيون أخبرني أن العين اليمنى فقدت حوالي خمسين بالمائة من قوة الإبصار.
( 4 )
أعتقد الآن أن شقة المعادي ليست بحاجة إلى أي شيء آخر. واليوم وقد مضى خمس سنوات على شرائها قد بات من المحتم اتخاذ قرار نهائي بالعودة. والذين في مثل ظروفي يعرفون مدى صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار. في كل عام تقول أنه العام الأخير وأنك ستعود في العام القادم، لكن ما أن ينتهي العام حتى تعطي نفسك مهلة أخرى.. فقط عام واحد آخر وأخير.. والسنون تمضي وإغراء المال لا يقاوم.
من يصدق أن خمس سنوات مضت ؟
لكنني مللت بالفعل من المناخ الصحراوي المتطرف وزوجتي ازدادت اكتئاباً على اكتئاب، كما أننا لم نرزق أطفالاً. كان كل شيء مؤجلاً حتى العودة إلى مصر. فكان هذا القرار الذي اتخذته في لحظه تصميم. لكن وأنا في طائرة العودة فكرت أنه ربما كان من الأفضل أن أبقى عاماً آخر!
واضجعت الليلة لأول مرة على سريري في شقتي التي صنعتها بمجهودي الخاص.. بتعبي.. غربتي.. صحتي. أطفأنا الأضواء وتهيأنا للنوم. كانت زوجتي تشعر بسعادة بالغة ولأول مرة أراها سعيدة منذ سنوات. ربما منذ بدأت أرتدي نظارة طبية – منذ خمسة أعوام بالتحديد. وإذ تذكرت النظارة تذكرت شقة مصر الجديدة والغراب الذي فعل بي هذا وشعرت بانقباض في صدري. تحطمت سعادتي في طرفة عين مثل مرآة انكسرت في لحظة حماقة. السعادة هشة جداً.. أما الحزن فعميق.. عميق مثل بحر لا تصل قاعه رجلاك.
سمعت صوت نعيق مفاجيء يدوي في أذني وتعجبت كيف لم تنتبه إليه زوجتي حين سألتها. أنا أعرف أنه لا يزال هناك.. الغراب.. أكاد أشعر به الآن وتفاصيله محفورة في ذاكرتي. كيف نسيت الموضوع كل هذه السنين ثم أتذكره الآن؟ ولماذا لا أتذكره إلا عندما أكون في طريقي إلى الاستقرار ؟ كأنه يسكن معي ولا يريد أن يتركني وحدي.
أتلفت حولي في الظلام – لا زلت راقداً على السرير – وأكاد أراه في كل ركن مظلم، بل فوق الشماعة بالذات حيث التِماعَة عينيه واضحة جداً في الظلام.
كاد قلبي أن يتوقف من الفزع عندما أدركت أنه هو، قفزت وأشعلت نور الغرفة فوجدت الغراب بنطالي الأسود وعينيه حلية الحزام اللامعة.
صرخت زوجتي من قفزتي المفاجئة وقد وجدتني واقفاً ألهث مبللاً بالعرق بجوار أزرار الإضاءة.
اتخذت قراري..
غداً سأذهب إلى شقة مصر الجديدة.
( 5 )
أنا على أهبه الاستعداد هذه المرة. أخذت معي كل ما يلزمني وكل ما يمكن أن أحتاجه. معي قناع بلاستيكي واقٍ مثل الذي يستعمل في المعامل، بطارية للرؤية في الظلام، وأشياء أخرى أهمها بندقية والدي القديمة التي لازالت تعمل (هل أنا متأكد إلى هذا الحد من أنني سأجده؟).
لازال البيت كما هو، كما رأيته منذ خمس سنوات، والشقة في الطابق الثالث ولا أثر للحياة في الطابقين الآخرين.
أدخلت المفاتيح في الباب وفتحته ببعض الصعوبة. دلفت إلى الشقة. تسارع نبضي إلى معدلات خرافية وصرت أسمع ضربات قلبي في أذني.
لا زالت الشقة كما رأيتها آخر مرة.. الأخشاب.. التراب.. والرائحة. الرائحة النتنة التي لا تطاق صارت أقوى بكثير عن ذي قبل. البندقية المعمرة في يدي وجاهزة للإطلاق. حاولت تمالك أعصابي المنفلتة حتى إذا ما رأيت ذبابة لا أطلق عليها النار.
لم يكن هناك شيء في الصالة. أنا أعرف أين سأجده: الغرفة التي في نهاية الردهة. دلفت إلى الردهة، ورأيته، ازدادت دقات قلبي سرعة. كان يرقد بين الأخشاب، وعندما رآني.. طار مفزوعاً ودلف إلى الحجرة. لا.. ليس هو، إنه أصغر بكثير من الغراب الذي رأيته منذ خمس سنوات. بدأت أشك في قواي العقلية.. هل أنا هنا حقاً لأقتل غرابا رأيته منذ خمس سنوات، وأتوقع أن أراه ثانية؟! بل هل لازال حياً حتى الآن؟ أنا لا أعرف شيئاً عن متوسط العمر الافتراضي للغربان.
رفعت القناع عن وجهي وألقيته جانباً وقد بدأت أشعر بسخف الأمر كله. اتجهت إلى الحجرة أريد الدخول لكني تسمرت على الباب وكدت أبلل نفسي من الرعب.
كاد أن يغشى عليّ عندما رأيت مستعمرة الغربان المقيمة في الحجرة. أكثر من مائة.. ربما مائتيّ غراب في أعشاش منتشرة في كل أرجاء الحجرة. على الأرض وبين الأخشاب وعلى القوائم الخشبية المرتفعة. كدت أختنق من الرائحة التي فاقت كل تصور وعجزت تماماً عن التنفس. ورأيته هذه المرة.. كان هو بالفعل، يرقد في وسط الحجرة.. أكبر غراب في المجموعة، و أكبر غراب يمكن أن تراه في حياتك. وكان ينظر إليّ.
ظللت مسمرّاً في مكاني لا أريد التحرك حتى لا أكرر نفس التجربة التي مررت بها من قبل، لكنني عندما تأملت أين أقف وجدتني واقفاً فوق بقايا جيفة حيوان ميت تخرج منها الديدان، وعلى الفور صعد الحامض من معدتي إلى فمي وانطلق كالقذيفة إلى الأرض. وعندها.. لا أعرف سوى أنني سمعت أصوات خفقان مئات الأجنحة، وأن الدنيا أظلمت تماماً من حولي، وانطلقت عشرات المناقير الحادة تنهش في لحمي وتمزق ملابسي وتنتزع شعر رأسي. صرخت بضع صرخات لم أكن أتخيل أن حنجرتي قادرة على مثلها. سقطت مني البندقية ولم أعد أرى شيئا وأنا أجري وأتعثر وأسقط ولا زالت الغربان تأكلني، إنها تأكلني بالفعل.. كلما تحسست مواضع الألم وجدت فجوات دامية في لحمي. ارتعش جسدي رعشة الألم المجنونة وأحسست أن روحي تنفصل عن جسدي ببطء، ثم انعدمت الرؤية أمامي تماماً، هذه المرة فقئت عيني بالفعل ثم هويت..
أعتقد أنني هويت من النافذة.
لازال البيت كما هو، كما رأيته منذ خمس سنوات، والشقة في الطابق الثالث ولا أثر للحياة في الطابقين الآخرين.
أدخلت المفاتيح في الباب وفتحته ببعض الصعوبة. دلفت إلى الشقة. تسارع نبضي إلى معدلات خرافية وصرت أسمع ضربات قلبي في أذني.
لا زالت الشقة كما رأيتها آخر مرة.. الأخشاب.. التراب.. والرائحة. الرائحة النتنة التي لا تطاق صارت أقوى بكثير عن ذي قبل. البندقية المعمرة في يدي وجاهزة للإطلاق. حاولت تمالك أعصابي المنفلتة حتى إذا ما رأيت ذبابة لا أطلق عليها النار.
لم يكن هناك شيء في الصالة. أنا أعرف أين سأجده: الغرفة التي في نهاية الردهة. دلفت إلى الردهة، ورأيته، ازدادت دقات قلبي سرعة. كان يرقد بين الأخشاب، وعندما رآني.. طار مفزوعاً ودلف إلى الحجرة. لا.. ليس هو، إنه أصغر بكثير من الغراب الذي رأيته منذ خمس سنوات. بدأت أشك في قواي العقلية.. هل أنا هنا حقاً لأقتل غرابا رأيته منذ خمس سنوات، وأتوقع أن أراه ثانية؟! بل هل لازال حياً حتى الآن؟ أنا لا أعرف شيئاً عن متوسط العمر الافتراضي للغربان.
رفعت القناع عن وجهي وألقيته جانباً وقد بدأت أشعر بسخف الأمر كله. اتجهت إلى الحجرة أريد الدخول لكني تسمرت على الباب وكدت أبلل نفسي من الرعب.
كاد أن يغشى عليّ عندما رأيت مستعمرة الغربان المقيمة في الحجرة. أكثر من مائة.. ربما مائتيّ غراب في أعشاش منتشرة في كل أرجاء الحجرة. على الأرض وبين الأخشاب وعلى القوائم الخشبية المرتفعة. كدت أختنق من الرائحة التي فاقت كل تصور وعجزت تماماً عن التنفس. ورأيته هذه المرة.. كان هو بالفعل، يرقد في وسط الحجرة.. أكبر غراب في المجموعة، و أكبر غراب يمكن أن تراه في حياتك. وكان ينظر إليّ.
ظللت مسمرّاً في مكاني لا أريد التحرك حتى لا أكرر نفس التجربة التي مررت بها من قبل، لكنني عندما تأملت أين أقف وجدتني واقفاً فوق بقايا جيفة حيوان ميت تخرج منها الديدان، وعلى الفور صعد الحامض من معدتي إلى فمي وانطلق كالقذيفة إلى الأرض. وعندها.. لا أعرف سوى أنني سمعت أصوات خفقان مئات الأجنحة، وأن الدنيا أظلمت تماماً من حولي، وانطلقت عشرات المناقير الحادة تنهش في لحمي وتمزق ملابسي وتنتزع شعر رأسي. صرخت بضع صرخات لم أكن أتخيل أن حنجرتي قادرة على مثلها. سقطت مني البندقية ولم أعد أرى شيئا وأنا أجري وأتعثر وأسقط ولا زالت الغربان تأكلني، إنها تأكلني بالفعل.. كلما تحسست مواضع الألم وجدت فجوات دامية في لحمي. ارتعش جسدي رعشة الألم المجنونة وأحسست أن روحي تنفصل عن جسدي ببطء، ثم انعدمت الرؤية أمامي تماماً، هذه المرة فقئت عيني بالفعل ثم هويت..
أعتقد أنني هويت من النافذة.
( 6 )
أرقد في المستشفى.
عرفت أنني أصبت بكسر في العمود الفقري عندما سقطت من النافذة، لم يقل لي أحد ما الذي سيترتب على هذا لكني أعرف أيضاً أنني أصبت بشلل نصفي.. فقدت عيني اليمنى.. غنغرينا في بعض أجزاء الساق نتيجة تلوث الجروح، فقد ظللت ملقي أسفل العمارة لعدة ساعات قبل أن يكتشفني أحدهم ويأخذني إلى هنا.
لا أعلم لماذا يحدث لي كل هذا.. لكني أعلم أنني لن أعيش طويلاً، حتى لو شفيت لن أحتمل حياة كهذه. أتت ممرضة سوداء البشرة وكانت تمسك بورقة مطوية وسلسلة مفاتيح في يدها. قالت لي أن هذه هي متعلقاتي الشخصية التي وجدوها معي. تركت المفاتيح على الطاولة بجواري. تعرفت الورقة التي في يدها: إنها عقد شقة مصر الجديدة. نظرت إليها، عيناها شديدتا السواد شديدتا اللمعان. خيل لي أن أنفها الطويل يشبه منقاراً حاداً. قالت أن الورقة الهامة ربما تضيع لذا وضعتها لي تحت الوسادة. تشاءمت. شعرت أن الحجرة تدور بي وأن السقف يهتز ضاحكاً. تفرست في السقف بعيني الوحيدة فرأيت عشاً أصغر اللون تتساقط منه قشات مبللة بسائل لزج حتى أغرقت وجهي والجدران. ثم ظهر شق في العش ظلّ ينفرج شيئا فشيئا.. إلى أن ظهر منه كيان أسود هائل له عينان لامعتان ومنقار أسود بالغ الطول، وصار ينعق.. ينعق.. ينعق في فضاء كانت به نجمة وحيدة تنظر لي بحنان.
أنقذتني يد الضابط من رؤياي. كان يريد استجوابي – رغم تحذيرات الأطباء – عما حدث. استجمعت نفسي وقلت له أنني سأحكي له القصة من البداية:
أسكن في المعادي، ولديّ شقة أخرى في مصر الجديدة..
----------------
القصة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة ساقية الصاوي الرابعة للقصة القصيرة 2008
71 comments:
حالة من التسمر أصابتني بعد طول لهاث
كأني أركض مع البطل بين السنين وأفر من شبح أسود
والآن هي ذات اللعنة تصيبني مثله
القصة رائعة وقادرة علي الإستحواذ علي كيان قارئها من أول سطر
مبروك الفوز
اول مرة اخاف من الغربان بالشكل
ده
السرد استحوذ عليا اوي و انا بقراها
و كنت في الشغل
لدرجة ان زميلي سالني انتي مالك وشك خايف و ممتعض كده ليه؟؟
وصفك تفصيلي جدا و واقعي
احييك يا ميشيل
تستاهل عليها جايزة فعلا
قصة جميلة
مبروك الجائزة
أرجو أن تكون القصة القادمة بها قدر من التفاؤل
اولا لابد من تصفيق حار
وثانيا انا اول مرة اغمض عيني من الخوف و انا باقرا قصة مش فيلم سينمائي! و لهذا تصفيق حار مرة اخري!
بعيدا عن الجو التشويقي الممتاز و اللعب علي وتر التشاؤم في نفسيتنا
الاسلوب راقي جدا و اللغة سهلة ممتنعة
تستحق الجائزة بجدارة
ماتجرب نفسك في سيناريوهات ..خصوصا افلام الرعب..قصتك ادخلتني جو فيلم هتشكوك الشهير بمشهد الغربان المرعب خاصة و ان البطل جاء متحفزا لغراب واحد ليجد مفاجأة باسمة امامه بهذا القطيع الوديع!..النهاية زادت من جرعة السواد خاصة و ان البطل لم تكتب له الراحة الابدية بل صار عليه ان يتعايش مع ماتبقي من جسده ومع الذكري المفزعة التي لم يتبقي له سواها
العنوان كان يبدو متجهما بعض الشيئ قبل قراءة القصة اما الآن فالعنوان هو اقل العناصر جهامة!..
..بجد برافو و احييك بشدة علي القصة
ومبروك للمرة الثانية
لا لا لا لا
قصة مش طبيعية من الروعة
ايه دة
دة انا اترعبت لك سلف يا راجل
كنت طول ما انا بأقرأ فاكرها تدوينة شخصية..لحد ما عرفت في اخر سطر انها قصة
بس قصة جميلة
لا دي روعة
تحياتي
أريد أن أقرأ القصة الحاصلة على المركز الأول، فلا بد أنها قطعةٌ فائقة الجمال لتستطيع إزاحة "نعيق الغراب" إلى المركز الثاني.
ليس مُهماً في النهاية، فالأدب لا يُقيم بالمراكز والمراتب، أو الجوائز.
السردُ في هذه القصةُ حيوي، يأخذ الراوي قارئه معه بسهولة في حكاية غامضة مليئة بالألغاز. الغراب! الغراب!
عشيرة الغربان، مواجهات البطل المؤذية معه، الممرضة التي تشبه الغراب، الحمامة الهاربة، كُلها رموز. الشقة التي تركها الأب للابن واحتلها الغراب عندما أهملها الابن. قد يكون الغراب مُعادلاً موضوعياً للموت. الشرُ الذي سكن المكان وفرخ. كانت حمامةٌ بيضاء واحدةٌ موجودة، لكنها فرت تاركةً بيضها فريسة للغراب. فرت الحياة في مواجهة الموت، والغراب الذي كان واحداً تحول إلى عشيرةٍ كابوسية. عشيرة مؤذنة بموت البطل. إنه الموت الذي يهجس به الكاتب ويطارده، الإرث المشوه، الـ..............
هذه كلماتٌ كثيرة!
حكايةٌ جميلة، جميلة. أقول هذا فقط، الآن.
ملاحظة واحدة - كانت هناك ملاحظاتٌ أخرى لكنني قررتُ الاكتفاء بواحدة - هي: "قناعٌ بلاستيكي واقٍ". واقي اسمٌ منقوص لذا تُحذف الياء عندما يكون في موضع النعت كما في العبارة: "معي قناعٌ بلاستيكي واقي".
يبدو أنك لا تحب غاق الغراب عند المغيب.
تحياتي القلبية...
God!
Michel.....it's dark....
it's very dark...
too dark...
never read such darkness except in E.A.Poe novels...
I want to ask about one thing...
is there any simpolizem in the apartment left to the crows and the homeland left to the "Fasedeen"?or its me trying to sound smart?
anyway...like I said I read nothing such Dark except Poe..which means its a great peace of art...I really wonder what story made it to the first place!!!
well done Michel...keep going...
The Dean
احييك على القصه الجميله يا د.ميشيل
واهنيك على الجائزه مره اخرى
وبرغم ان القصه تحمل قدرا لا بأس به من الكابه الا انها قصه جميله وشعرت بستمتاع اثناء قرائتها
تصفيق حاد
هش
الغراب.. الماضي.. المشاكل.. مطبات الحياة؟؟
............
رائعة يا دكتور ولو رايقة كنت كتبت نقد تفصيلي ممل طبعاً ههههههه
حلوة جملة السعادة هشة
حلو ذكرك لتفاصيل يعيشها المصريون فيما يتعلق بالخليج والسفر وخلافه
يااااه فكرتني بفيلم الطيور- ألفريد هيتشكوك
على فكرة في حياة كل منا غراب.. والحكيم من يستطيع قيادة دفة حياته دون أن يضعه في باله أو يلتفت إليه!- حتى مع علمه اليقيني بوجود الغراب!-.. ده اللي وصلني :).. رائع يا دكتور ميشو.. وعقبال المجموعة القصصية
صباح الفل
:)
كمان لفتت نظري الرموز الكتير منها موت الأب والحمامة.. الله كيف كانت تعيش هذه الحمامة وسط هذا السرب من الغربان؟؟
بس أخلص امتحانات إن شاء الله وأروووووق
صباح الفل تاني
جميلة
.............
سوداوية .. حزينة .. بس واقعية قوى
.........
جميلة جدا
الى حد يجبرني الى اعادتها في وقت لاحق
تحياتي لك
مجموعة قصصية اكثر من رائعة
القصة دي
و قصة شرطة الاخلاق
و قصة الجثة التي تعفنت في النيل و اللي خبطتها الشيروكي و قاعد الميت يقول انفعالاته
امتعتني لساعة و نصف
شكرا
بثينة: الله يبارك فيكي وألف شكر على تعليقك الجميل.
حفصة: الله يبارك فيكي . سعيد انها عجبتك :)
تافولوجي: صعب في الزمن اللي احنا عايشينه ده :)
سارة زهرة التيوليب: تعليقك أثلج صدري. أشكرك بشدة. ويارب نفضل عند حسن ظنك.
أ. سمير: ألف شكر ليك وتحياتي القلبية.
إتش إم إتش: القصة الحاصلة على المركز الأول لمحمود حافظ واسمها: في فضل القاتل على المقتول، وأنا كمان نفسي أقراها لأن عنوانها مثير!
أنا صححت الخطأ اللغوي في البوست.
ياريت لو تقولي على باقي ملاحظاتك وما تبخليش علينا بيها.
دين: هو فعلا القصة محملة برموز كثير، كل واحد بيفهم الرموز بطريقته، صعب أحدد حاجة معينة.
تحياتي وشكري.
مجدي: شكرا جزيلا ألف شكر.
هشام: :)
مروة جمعة: ياريتك كنت رايقة وتكتبي لنا نقد تفصيلي، أنا لسة فاكر تحليلك لقصة الولادة، واللي خليتني أفهمها أنا شخصيا مع إني المؤلف! وهي دي مهمة النقد الحقيقي، انه يفهم المؤلف القصة! ياريت ترجعي لنا تاني بالنقد والتحليل.
رجل من الموالي: ألف شكر يا افندم.
الكود الكبير: وفي انتظار تحليل القراءة الثانية.
كراكيب: سعيد ان المجموعة عجبتك. تقبل تحياتي.
قصة رائعة فعلا يا دكتور
و عجبنى اوى اوى ان جملة النهاية هى نفسها جملة البداية
مذهلة
حقاً مذهلة , انا قرأتها اكثر من اربع مرات متتالية
القصة عجبتنى جدا و فيها طابع استحواذى شديد يخليك ما ترفعش عينيك عنها لحد ما تخلصها
عقبال ما ألاقى المجموعة بتاعتك عندنا فى المنصورة علشان أشتريها
ألف مبروك مرة ثانية ... قصتك تتسم بالعمق اللامحدود ... عمل يستحق التهنئة بحق ... سعيد جدا أني تمكنت من قرائته ... دعني أدعوك لقراءة قصتي الفائزة بالمركز الخامس على هذا الرابط http://mohamedaldsouki.blogspot.com/2008/03/blog-post.html
رائع كعادتك ..
كئيييبه و حزينة جدا ..
تحياتى ..
أسامة أمين
د. ميشيل
القصة رائعة استحواذية مهلكة!!!
الحمد لله اننا لم نكن طرفا في القصة !!!
الف مبروك ..
ماري فيكتور: معقولة ماري فيكتور شخصيا بتعلق في مدونتي المتواضعة! ألف شكر يا افندم.
إيهاب عمر: ربنا يخليك يا باشا أسعدتني فعلا :)
رضوى: ألف شكر، ولو ما لقيتيهاش ممكن ابعت لك واحدة بالبريد.
د. محمد الدسوقي: مبروك ليه انت كمان يا فنان، هاقرا القصة طبعا بعظيم الاهتمام.
شمونشادر: ألف شكر وتقبل تحياتي.
زيانور: أنا باحمد ربنا أنا كمان، لأني كنت متوحد مع البطل تماما وزعلان جدا!
قصة ممتازة ..
كنت أتمنى قراءتها بالفعل منذ فترة ..
وبالفعل فاقت توقعاتي ..
أحسنت يا دوك :)
أحمد
قصة ممتازة ..
كنت أتمنى قراءتها بالفعل منذ فترة ..
وبالفعل فاقت توقعاتي ..
أحسنت يا دوك :)
أحمد
ميشيل
ألف مبروك
قصة تستحق المركز الأول
لكن حقيقي
تصلح لتكون فيلم رعب واثارة وترقب
وبتقول حاجات كتير بين السطور
خالص تحياتي
أحمد: سعيد انها عجبتك. ألف شكر.
الفنان ياسر حسين: الله يبارك فيك. تقبل تحياتي.
قصة قويةجدا د.ميشيل
حقيقى تستحق الفوز
بالرغم من واقعية القصة
يعنى مش فانتازيا ولا خيال
الا ان الفكرة والصياغة عجبنى جدا
مبروك يا دكتور.
زهره
ألف شكر يا زهرة
وأنا بالمناسبة حطيت نقدك للكتاب في مجموعته في الفيس بوك
ابقى بصي كده
قصة جميلة وتستحق المركز الأول كمان ، مبروك يا دكتور.
أحيانا تتراكم الأخطاء والكبوات ونحاول تخزينها في أماكن معينة سواء كانت أماكن في الفراغ أو في الذاكرة إلى أن يزيد فسادها. وعندما نحاول الاقتراب منها لاصلاحها يكون قد فات الأوان. والدرس المستفاد هو ألا تترك الأخشاب تتعفن في منزلك. فالتخلص من الأخشاب الجامدة أسهل من الانتظار حتى تأتي كائنات حية خبيثة كالغربان وتصبح المقاومة أشد.
ألف شكر ليك يا أستاذ معاذ. عايزين نشوفك قريب بقالنا بتاع سنتين ما شفناش بعض :)
حلوة القصة
ألف مبروك بالمناسبة
المجهول : الله يبارك فيك
قصة ممتعة جدااااااااااااااا
هوه مفترض انه موش كان يهشه .. لأنه موش دبانة ده بيكون ف اشرس حالاته وهوه راقد على البيض
بس انته كده والله رعبتنى من الغربان
انا من الزقازيق .. وعمرى ماشوفت غراب هنا .. لكن اتجوزت ف ال سويس وملياااانة غربان ..
هوه الغراب طائر (محترم) الصراحة لكن اللى يقلق منه بس انه ممكن ياكل اللحم ولذلك هوه مخيف
عفوا على الأطالة ..:)
تحياتى لك د.ميشيل
مدونتك ممتعة ومتنوعة والى الامام دايما يارب
نعيق الغرلب
طبعا لازم تفوز، بجد أى حد يقرا القصة دى مايقدرش يمنع نفسه من التصفيق فى النهايه
والنهاية ممتازة ... أقصد جملة القصة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة ساقية الصاوي
أى حد يقرا القصة مايقدرش نفسه من انه يقول (طبعا لازم تفوز) الوصف هايل جدا وخلانا نتوحد مع الشخصية بشكل رهيب (زى مانت شايف ده مش راى لوحدى) بس فيه حاجة بسيطة خدت بالى منها
مش عارفة انت قاصد منها حاجة ولا لأ
لما البطل دخل الشقة اول مرة وشاف الحمامة وكانت بردو راقدة على البيض بس طارت فى سلام، وبعدين نقيض الحمامة البيضاء طبعا الغراب الاسود كان فى الغرفة التانية هل انت قاصد هذا التناقض؟
مش عارفة ليه حسيت ان الشقة القديمة المهجورة دى ممكن تكون زى مخنا لما بننسا افكار قديمة كانت عندنا زمان، يمكن لما نرجع نفتش فيها بعد اما نكبر ويزداد وعينا نلاقى فيها حمامة راقدة على بيض (هاتفقس افكار بيضا تانى) وكمان هنلاقى غراب راقد على بيض (هايفقس أفكار شريرة تانى) غالبا انا تعمقت زيادة
اه كمان ان البطل حس انه شبه الغراب ... صعب اوى ان ده يكون احساس الواحد بنفسه، مش الاحساس بالقبح الخارجى هو اللى فظيع لكن الاحساس بالقبح الداخلى هو اللى افظع
اخيرا بردو زى كتير من الناس عجبنى اوى جملة السعادة هشة جداً.. أما الحزن فعميق
بجد برافو
tab begad awel ma3amalt publish lel comment seme3t sout ghorab webegad etfaza3t
رونيل السوداء: تحياتي لك وما تغيبيش علينا كثير.
ماريان: شكرا على النقد الجميل ده
انت انتبهت لحاجات ما أخذتش أنا بالي منها
وخلي بالك من الغربان وانت مروحة النهارده :)
I�m not that much οf а internet reader to be hοnest but your blogs rеally nicе,
keep it up! Ι'll go ahead and bookmark your site to come back in the future. All the best
Review my weblog; keep your family safe
What a ԁata of un-ambiguity and presеrveness of valuable
know-how on the topiс of unprеԁictеd feelings.
My wеb page - ringing in ears treatment
I lоve it when indiviԁuаls come together
and shaге іdеas. Great
blog, kеep it up!
Αlso vіsit my wеb blоg :: get rid of herpes
Hellо there І am so gгateful Ι found your
weblog, I гeally found you by mistaκе, whіle I was browsіng on Google foг something else, Anyways I am heгe now
аnd would juѕt lіκe to say thanks a lot for a fаntastic post anԁ a all round
intеresting blog (I also loνe the theme/deѕіgn), I
ԁon’t have time to reаd through it аll at the moment but I have ѕаvеd іt anԁ also aԁded your RSS feeds, ѕo ωhеn I hаνe tіme I will be back to reaԁ morе, Please do keep up the excеllent jo.
Alѕo visit my wеb page :: how to save money at disney
Heу woulԁ you mind ѕharing whiсh blog platfοrm you're using? I'm gоing to start my own
blog in the near future but Ι'm having a tough time making a decision between BlogEngine/Wordpress/B2evolution and Drupal. The reason I ask is because your design and style seems different then most blogs and I'm
looking for something comρletely unique.
Ρ.S Apоlogiеs for being off-toρic but I had to аsκ!
My site Random musings
Hey theге, I thinκ your sitе might be having browser compatibіlity issues.
When I look at your webѕite in Сhгοme, it looks fіnе but when
οpening in Internеt Explorer, it haѕ some οverlapping.
Ӏ just wantеd to give you a quick headѕ uρ!
Other then that, very gooԁ blοg!
Alsο viѕit my ωeb page :: build a boat
Hey, I think your site might be having browsеr сompatibility issuеs.
When I looκ at your blog site іn Chгome, it looκs fine but when opening in Іnternet
Explorer, it has sоme overlapping. I ϳust wanted to give you a quick
heads up! Otheг then that, wonԁеrful blog!
Also vіsit my homepage :: simply click the up coming article
Ηmm it loοκs liκe yоur
websitе ate my fіrst comment (it wаs extremеly long) so
I guеѕs I'll just sum it up what I had written and say, I'm thoroughly
enjoying youг blоg. ӏ toο am an aspігіng
blog writer but І'm still new to the whole thing. Do you have any suggestions for beginner blog writers? I'ԁ reallу aрpreciate it.
Feel frеe to visit my web-sitе colonic irrigation birmingham UK
Eхcellent goods from you, man. I haνe unԁeгstand your stuff preѵious to and уou are
just tοo fantastic. I reallу likе
what уou've acquired here, certainly like what you are stating and the way in which you say it. You make it enjoyable and you still care for to keep it sensible. I can not wait to read much more from you. This is really a tremendous web site.
Also visit my blog post ... fix leaking pipes
Hi! I understаnd thiѕ is someωhat οff-topіc but І needeԁ tо ask.
Does builԁing a well-establisheԁ blog suсh as
yourѕ take a large amount of work? I'm brand new to writing a blog but I do write in my journal every day. I'd liκe tο start a blog so I will be аble to
share my experіence and thoughts online.
Pleaѕe let me knoω іf you havе аny ideаѕ
or tірѕ foг new aspiring blog owners.
Thankyou!
Alѕo visit my webpage: easiest way to lose belly fat
We absolutely loνe your blog anԁ find nеarly all of
your pοst's to be exactly what I'm looking for. саn уοu
offеr guest writers to write content foг yourself?
I wοuldn't mind publishing a post or elaborating on most of the subjects you write in relation to here. Again, awesome web site!
Also visit my blog http://Howtomakeyourownsolarpanel.tumblr.com/
Ӏ ԁо nοt know whеthеr іt's just me or if everyone else experiencing issues with your blog. It seems like some of the text in your posts are running off the screen. Can someone else please provide feedback and let me know if this is happening to them as well? This could be a problem with my web browser because I've hаd this haрpen pгeνiouslу.
Kudоѕ
mу homеpagе :: cure heartburn fast
Неy! I know this is kіnda off topic but I was wonԁering іf you κneω wheгe I could get a captcha рlugin foг my comment form?
I'm using the same blog platform as yours and I'm haνing
difficulty finding one? Thanks а lot!
Take a look at my page - storage warehouse solihull
ӏ liκe what уou guyѕ tend to be up
tοo. This sοrt οf clеver wοrk аnd expоsure!
Keeρ up the tегrifiс
works guys ӏ've incorporated you guys to our blogroll.
Also visit my web site; Otium Leisure
Hello there! I know this is kinda off topic but I'd figured I'd ask.
Would you be interested in exchanging links or
maybe guest writing a blog post or vice-versa? My site addresses a lot of the same
topics as yours and I feel we could greatly benefit from each other.
If you happen to be interested feel free to shoot me an e-mail.
I look forward to hearing from you! Great blog by the way!
My page; entertainment
Post a Comment