ها هو أخيرا الفيلم الذي يُنتظر أن يكون الحصان الرابح لهذا الموسم، والذي اختار أن يتحرك وسط ألغام موضوع شائك كالوحدة الوطنية.
لدينا هنا إمام مسجد، وواعظ مسيحي (كان قسا في النسخة الأولى من السيناريو قبل أن يتم استبداله بواعظ) كل منهما مهدد بالقتل. الإمام مهدد بالقتل بواسطة جماعة إرهابية كان أخوه أميرا لها، ثم أوصى له بالإمارة قبل وفاته، لكنه رفض الإمارة فأصبح مستهدفا من قبل الجماعة. أما الواعظ فقد دعا في مؤتمر للأديان بنبذ العنف، فأصبح مستهدفا بالقتل من جماعة إرهابية مسيحية قامت بتفجير سيارته!
يأتي الآن دور ضابط أمن الدولة (عزت أبو عوف) والذي يزور كل منهما بطريقة منفصلة، وعلى طريقة برنامج حماية الشهود الأمريكي - والذي يقوم بتغيير اسم الشاهد المهدد بالقتل ونقله للحياة في مدينة أخرى مع تأمينه ماديا وأمنيا واجتماعيا - يعطي ضابط أمن الدولة الإمام اسم مرقص، والواعظ المسيحي اسم حسن، ويرسل كل منهما إلى مكان بعيد عن محل سكنه، حماية له من الاغتيال.
تكمن المفارقة في أن يرتدي كل من المسيحي والمسلم ثوب الآخر ليعيش في عالمه، والهدف هنا أن يكتشف كل منهما الآخر لنعرف في النهاية أن الإنسان واحد حتى لو اختلفت الديانات والطقوس. الفكرة جيدة والهدف نبيل، لكن الفيلم مهلهل تماما دراميا على عادة أفلام يوسف معاطي. لاشيء يتم تبريره دراميا بطريقة كافية. مصادفات غير منطقية. الشخصيات لا تتطور دراميا. الحلول الدرامية سهلة وتجافي المنطق. وهناك الكثير من الملاحظات:
1. قبل أن ندخل في الانتقادات لابد أن نشيد أولا بالموسيقى الفخيمة لياسر عبد الرحمن والتي كانت أفضل عناصر الفيلم، خاصة عند قيامه بالمزج الساحر بين التواشيح الإسلامية والألحان القبطية في مزيج واحد، وإن كان هذا الأمر ليس جديدا، إذ سبقه إليه فنان فرنسي يدعى هيو دي كارسون.
2. على أساس أن اسم الفيلم هو حسن ومرقص فمن المفترض أن تكون مساحة دور حسن مساوية لمساحة دور مرقص، لكن بدا بشكل ملحوظ جدا أن مساحة دور عادل إمام أكبر من مساحة دور عمر الشريف، كما لم يوضع اسم عمر الشريف قبل اسم عادل إمام كما قيل في تصريح أثناء فترة الإنتاج.
3. هناك الكثير جدا من المصادفات غريبة وغير المنطقية، كتطابق ما يحدث لأسرة حسن وما يحدث لأسرة مرقص على مدى الفيلم كصورة المرآة، وهناك أيضا المصادفة الغريبة التي جمع بها المؤلف حسن ومرقص في مكان واحد عن طريق انتقالهما للسكن بالصدفة في عمارة واحدة، فقط لأن المؤلف أراد أن يجمعهما معا في النصف الثاني من الفيلم.
4. لم تكن الخطبة التي ألقاها الواعظ المسيحي خطيرة للدرجة التي تجعله مستهدفا للقتل بهذه الدرجة، فلم يكن ما قاله يتعدى ضرورة نبذ العنف، وهو كلام يقال كل يوم في الجرائد وقنوات التليفزيون، لكن بمجرد أن خرج من المؤتمر حتى تم تفجير سياراته بواسطة جماعة إرهابية مسيحية. وهي نقطة أخرى يبشرنا بها الفيلم، أن تتكون جماعات إرهابية مسيحية تستخدم العنف وتقوم بعمليات تفجير واغتيالات، وهو أمر مستبعد بدرجة كبيرة، نظرا لطبيعة الديانة المسيحية التي تنبذ الأمور الدنيوية على مجملها، وعلى هذا فلن يستطيع المتطرفون المسيحيون تأسيس جماعات بهذا الشكل على أساس ديني. ويضيف المؤلف هذه النقطة لأنه يصنع الفيلم بالمسطرة والأدوات الهندسية، حيث كان لابد من إضافتها لتكتمل صورة الرسم الهندسي المتطابق التي يصنعها كصورة المرآة.
وفي المقابل أيضا كان المبرر الدرامي لاستهداف عمر الشريف ضعيفا ومضحكا وغير منطقي، فهل من عادة الجماعات الإسلامية أن تتخذ أميرا من خارجها دون أن يكون له علاقة أو معرفة بأنشطة الجماعة وأمورها الداخلية؟
5. هل من السهل على منقبة أن تخلع النقاب الذي اعتادت عليه ثم تعود إليه وتخلعه عدة مرات بهذه البساطة كما فعلت زوجة الإمام؟ وهل من السهل أيضا على محجبة أن تتأرجح بين الحجاب وخلعه بكل هذه البساطة كما فعلت ابنة الإمام؟ والمفروض أنها أسرة متدينة ورب الأسرة شيخ عالم.
6. منذ متى وأمن الدولة تهتم بهذا الشكل بتأمين المواطنين المهددين؟ يتناقض هذا الأمر مع ما هو معروف عن هذا الجهاز باعتقال أقارب الأشخاص المطلوبين أمنيا والاحتفاظ بهم في المعتقلات لإجبار المطلوبين على تسليم أنفسهم. ثم هل هذا الأمر من اختصاص أمن الدولة أم من اختصاص الشرطة؟ يتورط الفيلم في عملية تلميع إعلامي لجهاز أمن الدولة متمثلا في الضابط المرتبك خفيف الظل المشغول ليلا ونهارا لحماية البلاد من الأخطار.
7. يكرس الفيلم لكوننا دولة الكوسة من الدرجة الأولى. تم القبض على حسن ومرقص وهما جالسان أمام المخبز الذي يمتلكانه، ولم يوضح الفيلم سبب هذا الأمر في سقطة درامية أخرى، ولكي نبرر نحن الأمر دراميا نقول أن لعل الأمر وشاية ما من "إدوارد" و "يوسف داود". لكن مكالمة واحدة من حسن لضابط أمن الدولة كانت كفيلة بإخراجهما كالشعرة من العجين وإقفال القضية عند هذا الحد. الخلاصة التي أوصلها لنا الفيلم: يمكنك أن تروح في داهية إذا وشى بك أحد فتقوم أجهزة الدولة بتلفيق تهمة لك مع أنك لم تفعل شيئا، لكن في المقابل يمكنك أن تنفذ من ثقب الإبرة وتخرج بريئا في التو واللحظة إذا كنت تعرف أحد الكبار. لا قيمة للقانون هنا.
8. كان عمر الشريف يضحك من قلبه وهو يشاهد فيلم نجيب الريحاني، لكن بمجرد أن عرف أنه مسيحي حتى تجهم وصارت حركات الريحاني المضحكة مبعثا لشعوره بالامتعاض. وقد أتت هذه اللقطة قرب نهاية الفيلم، مما يجعلها تتناقض مع تطوّر الشخصية التي من المفروض أن تتزايد تسامحا بطريقة تدريجية حتى تصل إلى ذروة هذا التسامح في مشهد النهاية. لكن الحاصل أن الشخصيات لا تتطور دراميا وكل مواقفها غير مبررة. في المشهد السابق هو متعصب، لكن عندما يريد المؤلف فإنه يصبح متسامحا ومتآخيا مع الآخر، بل ويمسك يده ليعبر معه وسط المعركة الدامية.
9. المشهد الأخير كان كاريكاتوريا بامتياز. خطبة عدائية من هنا وخطبة عدائية من هناك وفي الحال خرجت العصي والمطاوي والجنازير وخرج الفريقان ليتطاحنا. للأسف لم تكن أي من الخطبتين مؤثرة ليخرج الناس بهذا الشكل، ولم يقل لنا أحد ما سبب هذا العداء المفاجيء؟ لكن لماذا نبحث عن أسباب وكل شيء غير مبرر في الفيلم. لكن هل هذه هي الرسالة النهائية التي ينقلها لنا الفيلم: أن الحرب الأهلية قادمة قادمة؟
10. عنوان الفيلم مقتبس من عنوان فيلم قديم من إنتاج عام 1954 لبديع خيري ونجيب الريحاني بعنوان "حسن ومرقص وكوهين".
ألا ترى معي أننا منذ 54 عاما قد كنا أكثر انفتاحا وأكثر تسامحا مئات المرات من الآن؟
طردنا كوهين من مصر وصار هناك حسن ومرقص فقط. الفرق بين "حسن ومرقص وكوهين" و"حسن ومرقص" هو الفرق بين مصر 1954 ومصر 2008. كل ما نرجوه ألا يكون فيلم الموسم لعام 2062 يحمل عنوان "حسن"!