· ما حدث كان يفوق القدرة على التخيل! عندما انطلقت الدعوة ليوم 25 اعتقدت أن الأمر لن يزيد عن عشرات الدعاوي التي تنطلق على الفيسبوك من حين لآخر، بعضها يحقق استجابة معقولة مثل حركة 6 إبريل، وبعضها يحقق استجابة بسيطة، وبعضها لا يُلتفت له على الإطلاق. لكن ما حدث حقا كان ثورة شاملة في كل المحافظات وفي وقت واحد بشكل لا يمكن لأي تنظيم سياسي أن يحققه، ولا حتى الحزب الوطني نفسه، شيء لا يقدر عليه سوى الفيسبوك!
· مع حظر التجوال في الثالثة وتوقف حركة المرور، انعدم إحساس الوقت، وصارت السادسة مساء تشبه تماما الرابعة صباحا.
· طول الجلوس أمام القنوات الإخبارية للتليفزيون والتنقل بينه وبين إذاعة البي بي سي على الراديو، هذه المتابعة المحمومة للأخبار طوال الليل والنهار أدت بي في النهاية إلى حالة من عدم التوازن. لم أعد أعرف كم الساعة الآن وفي أي يوم نحن. أشعر أنني على شفا الجنون.
· أكثر جملة كرهتها أثناء متابعتي للأخبار على مدى كل هذه الأيام هي جملة "دي مصر يا جماعة".
· لم تكن هناك سوى بضعة أكياس من لبن صباحو في باب الثلاجة، وسوبر ماركت مترو –الوحيد تقريا الذي يفتح أبوابه في المنطقة- خال من اللبن. حاولت الحفاظ على ما تبقى من اللبن من الاستخدام غير الحكيم لباقي أفراد الأسرة، للتمكن من عمل كوب واحد من النسكافيه باللبن يوميا. لقد انتهى عصر الوفرة وبدأ عصر التقتير.
· في اللجان الشعبية، الناس فرحون جدا بالسلطة. يقفون في الشوارع يقيمون الحواجز والمتاريس والأكمنة المرورية وينظمون المرور. يفتشون السيارات والأفراد. أغرب منظر رأيته في حياتي عندما بدأت الشرطة في النزول إلى الشوارع على استحياء بعد أيام الفوضى.. قام شباب اللجان الشعبية باستيقاف البوكس والمراجعة عليه قبل أن يسمحوا له بالمرور! الشعب الآن سلطة أعلى من الشرطة!
· وعلى الرغم من الدور الجليل الذي قامت به هذه اللجان الشعبية، إلا أن عملها لم يخلو من المساخر، قاموا بالتشاجر مع بعض الناس العاديين وأهانوهم بلا مبرر، وهناك من أصيب بالذعر من قائدي السيارات وظن أنهم بلطجية لأنهم يخرجون على السيارات مسرعين بالشوم والعصي، وعندما يحاول الهرب بالسيارة يطاردونه ويخرجونه منها ثم يوسعونه ضربا وتكسيرا ثم يتضح في النهاية أنه مجرد شخص مذعور. أما أسوأ شيء فيما كانوا يفعلونه هو حرق إطارات السيارات في وسط الشوارع، وهو عمل غير مبرر فعلا، فضلا عن الهباب الأسود الكثيف الذي يتصاعد من الإطارات يزكم الأنوف والعيون.
· وعلى مدى أيام من حظر التجول واختفاء السيارات من كل الشوارع، صار جو القاهرة نقيا بشكل لم أره من قبل أبدا! من الشرفة كانت الرؤية واضحة حتى مسافات بعيدة بدون غبار والجو له رائحة جديدة.
· كانت تنازعني رغبة للنزول، لكني رأيت أن فتح الصيدلية عمل لا يقل وطنية. نوع من أداء الواجب حتى يجد الناس الأدوية التي يحتاجونها، خاصة وأن معظم الصيدليات في المنطقة كانت مغلقة. كان هناك تكالب كبير من الناس على شراء احتياجاتهم من الأدوية. في الساعات الخمس التي أفتح فيها قبل موعد حظر التجوال كنت أقوم بعمل يعادل عمل اليوم كله. كان هذا مرهقا بشكل غير عادي. حاولت أيضا عمل نوع من التقنين حتى لا يأخذ بعض الناس كميات كبيرة من أصناف معينة فيحرمون منها غيرهم. المشكلة الكبرى التي ستظهر في الأيام القادمة هي الإنسولين وقطرات الجلوكوما وأدوية السكر وحقن منع الجلطات وأدوية السرطان والعلاج الكيماوي وغيرها من الأدوية الخطيرة المستوردة، أما ألبان الأطفال فقد بدأت فيها الأزمة بالفعل. مع كمّ المكالمات التليفونية التي لا تنقطع مع ضغط الناس على الصيدلية للشراء قبل حظر التجوال صرت أشعر كأنني جندي في الميدان، أتحرك بسرعة وأعطي أولويات للأهم قبل المهم، وصار تعاملي جافا جدا بلا مجاملات. هذا الضغط الشديد جعلني أنفجر في وجه كثير من الزبائن بشكل لم يعتده مني أحد من قبل. الأشخاص الذين يدققون كثيرا في تاريخ العلبة ويريدون علبة من إنتاج هذا الشهر، أو الذين يريدون علبة دواء أجمل من هذه وليس بها هذا الجزء المنبعج من الجانب، والذين كنت أتحملهم في الظروف العادية، رءوا مني وجها آخر تماما لم أتوقعه أنا نفسي، خاصة وأننا نعلم أن الأزمة إذا استمرت لأيام أخرى فسنضطر إلى استعمال الأدوية منتهية الصلاحية أيضا، خاصة مع توارد أخبار عن تعرض مخازن الشركة المصرية للأدوية في شبرا للنهب وسرقة سيارات التوزيع. منذ أيام عديدة لم نتسلم أية طلبيات أدوية، وهذا يعني أن ما ينفذ من أصناف لن يعوَّض قريبا.
· إيقاف حركة القطارات! سكك حديد مصر التي تعمل منذ 1854.. ثاني دولة تدخلها السكك الحديدية في العالم بعد انجلترا.. والتي لم تقف حركتها على مدى تاريخها حسبما أعلم.. توقفونها الآن لمنع الناس من الوصول إلى التحرير؟ أية صفاقة!
· قطع الإنترنت.. إيقاف الرسائل القصيرة.. إيقاف خدمة المحمول.. إيقاف حركة القطارات.. إيقاف حركة الطيران.. إيقاف المواصلات العامة.. سحب خدمات وزارة الداخلية بالكامل.. ما كل هذا القمع والعقاب الجماعي للشعب كله؟
· بعد أيام من الأزمة بدأت الناس في التنازل عن التناكة والرفاهية وصاروا يهتمون بالأولويات، صار الناس يقبلون استعمال بدائل الأدوية التي كانوا يرفضونها رفضا باتا فيما مضى، ويقبلون استخدام تركيزات مختلفة مع تعديل الجرعة. صارت هناك روح أخرى أفضل.
· لاحظت أيضا شيئا آخر، منذ بداية الأزمة لم أقم ببيع قرص فياجرا واحد!
· انتابني خاطر مزعج بخصوص مارينا وعشرات القرى الأخرى التي تنام في الشتاء على الساحل الشمالي بحراسة ضعيفة لا تكاد تذكر، والتي لم ترد لها سيرة في الأخبار. ماذا حدث لهذه القرى؟ ألا يمكن أن يكون المساجين الفارين والخارجين على القانون قد انتقلوا إليها واختبئوا في بيوتها المريحة الوثيرة؟
· أزمة في كروت شحن المحمول. الناس يدورون في الشوارع يسألون عن كروت الشحن. شخص ما كان يبيع الكارت فئة الجنيهات العشرة بخمسة عشر جنيها. حتى هذا الشخص نفذ ما عنده من كروت. كلها أيام وتتحول أجهزة المحمول إلى خردة بلا فائدة.
· أيام طويلة بلا إنترنت. شيء صعب للغاية! إلى هذا الحد تغلغلت هذه الشبكة في عروقنا. بدون إنترنت أشعر كأنني أسير بنصف رأس.
· لازال الأمر لم ينته بعد.. هناك عالم جديد ينتظرنا.. عالم مختلف تماما عما عرفناه أو اعتدناه.. نتمنى فقط أن يكون أفضل.