رسالة كنت قد أرسلتها إلى نفسي أيام المدرسة! كنت وقتها أشعر بالإحباط لأنني كنت أرسل خطابات كثيرة إلى هواة المراسلة في المجلات دون أن أتلقى ردا، فأرسلت هذه الرسالة إلى نفسي!
الغريب أنني وضعت الرسالة في ظرف وكتبت عليه العنوان وألصقت الطابع وأرسلتها، ثم وصلت الرسالة فعلا ففتحت الظرف واحتفظت بها!!
عثرت بالصدفة على فيديو نادر مصور عام 1930
بواسطة معماري أمريكي يدعى فيليب إلوود، كان قد أخذ بعضا من طلابه في ذلك العام
وزار مصر وفلسطين ومعه كاميرا فيديو بدائية من طراز الثلاثينات.
قمت بقص الأجزاء التي تظهر مصر الجديدة في عز
مجدها، وتجميعها معا في ملف واحد:
حسنا، هذه هي المباني التي تظهر في الفيديو مع مقارنات لما آلت إليه الأمور (جميع الصور من تصويري ما لم يذكر غير ذلك):
- اللقطة الأولى مصورة من أمام فندق هليوبوليس، والمبنى المقابل تم تقفيل شرفاته بالألوميتال وهو الآن مقر شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، وريثة شركة واحات هليوبوليس التي أنشأها البارون امبان. المبنى الرائع المجاور لازال بحالته تقريبا عدا أن الشرفات العلوية تم تسقيفها وتقفيلها.
الصورة من موقع بانوراميو
الصورة من موقع بانوراميو
- ثم يأتي واحد من أجمل وأروع مباني البواكي في الكوربة، بمئذنته المميزة
جدا والتي أعتبرها أجمل واحدة في مجموعة المباني هذه، وهو يقع في شارع إبراهيم
اللقاني. تغير شكله كثيرا بعد إضافة أسقف للبلكونات مما أدى إلى ظهور المئذنة بشكل
أقصر من حقيقتها لقد تعرض لتشويه كثير حقا. أما صف الأشجار الذي ظهر في الفيديو
بالأسفل فقد تم قطعه بالكامل.
صورة قديمة للمبنى
- في مشهد عبور الماعز نلاحظ أنه كان هناك خط مترو يمر بالمكان، وهذا تمت إزالته حتى لا يزعج السيد رئيس الجمهورية المخلوع السابق!
- المبنى التالي يقع بعد ناصية شارع إبراهيم اللقاني مع شارع الأهرام، وهو يتميز بهذه المئذنة المكعبة الفريدة جدا التي لا مثيل لها في التاريخ!
- أما المبنى المكعب الصغير الذي يقع على الناصية تماما، فقد تم تخريبه بشكل كامل بعد أن تحول إلى متجر يدعى جراند ستورز. حيث تم البناء على حديقة المبنى وإضافة هذا الجزء بالأسفل، مما أدى أيضا إلى حجب جزء من مبنى المئذنة المكعبة.
تم التخريب على مرحلتين في عصرين مختلفين، أولا عندما تحول إلى فندق هليوبوليس هاوس
ثم عندما تحول إلى جراند ستورز وتم القضاء على ما تبقى من طرازه المعماري
الصورة من الإنترنت
- فندق هليوبوليس بالاس – أكبر وأفخم فندق في العالم وقت
بنائه – صار تابعا لرئاسة الجمهورية وتم تحويطه بسور عال منيع، ولم يعد من الممكن
الآن سوى مشاهدة طرف قبته عن بعد. هذه القبة الرائعة تمثل سقفا لقاعة هي القاعة ذات السقف الأعلى في التاريخ، إذ تبلغ المسافة بين السقف والأرض في القاعة حوالي 55 مترا! والقاعة نفسها بمساحة 540 مترا!
هذه صور قديمة للفندق
نلاحظ أيضا أنه كان هناك خط مترو يمر أمام القصر، وهذا تمت إزالته حتى لا يزعج الرئيس. نلاحظ أيضا أن القصر كان محاطا بسور حديدي قصير ولطيف، بدلا من السور القبيح السميك الحالي، كما تم بناء فرع للبنك الأهلى داخل السور، وهو أمر غامض وغريب في الحقيقة.
الصورة من الإنترنت
من الصعب جدا تصوير المكان أو الحصول على صور حديثة له، بالطبع سيلقى القبض عليك على الفور لو حاولت! لكن هذه هي القبة الرائعة كما تظهر من بعيد من أحد الشوارع الجانبية
بالبحث على الإنترنت وجدت أيضا هذه الصورة التي صورها شخص ما من شرفة مرتفعة في مكان ما باستخدام الزووم
الصورة من الإنرنت
- المقطع التالي يظهر به نفس المبنيين اللذين ظهرا في بداية الفيديو. يمكننا أن نتعجب أين اختفت كل هذه الأشجار التي تظهر في الفيديو.
- ميدان الإسماعيلية. واحد من أجمل ميادين مصر الجديدة. المقطع مصور في شارع عثمان بن عفان (أمام صيدلية حسام حاليا) ويظهر ثلاثة مبانٍ من مباني الأرت ديكو الرائعة.
أخذت الكاميرا في أحد صباحات الجمعة (والناس نيام بعد!) ووقفت في نفس المكان الذي وقف فيه صاحبنا الأمريكي منذ سبعين عاما وصورت المكان من نفس الزاوية تقريبا، ثم لصقت المقطعين معا.
المبنى في أقصى اليسار تم تشويهه بتحويل دوره الأرضي إلى محال تجارية، لكن فيما عدا ذلك وعدا بعض الشرفات التي تم تقفيلها، لازال المبنى محتفظا بالكثير من رونقه.
المبنى الثاني تحفة فنية خارقة، لكن للأسف تعرض لتدمير شامل على يد محل الأحذية الذي أخذ الطابق الأرضي وجزءا من الأول. قالت لي إحدى ساكنات العقار أن المبنى كاد أن يسقط بعد كم التعديلات والتكسيرات التي أجراها المحل، حتى أنه اضطر إلى عمل شدات داخلية للمبنى حتى لا ينهار!
واجهة المبنى التي تقع على الشارع الجانبي، ويبدو هذا الجزء بحالة ممتازة
وعلى حاله.
المبنى الثالث فيلا صارت مهجورة، وهي معروضة الآن للبيع، لكن المشكلة أنها مسجلة ضمن قائمة المباني المميزة لذا فهي محظورة الهدم إلا إذا قضت لجنة التظلمات بإخراجها من القائمة، ويسكن فيها حاليا غفير وزوجته وأولادهما!
- مجموعة مباني حلبة سباق الخيل التي تقع الآن أمام حديقة الميريلاند. معظم هذه المباني هدمت بما فيها المبنى الخرافي ذو القبة الهائلة، ولم يتبق منها سوى أطلال من ضمنها المدرج . حتى هذا المدرج كانت هناك محاولة لهدمه لكنها توقفت، ثم فكروا في إقامة مشروع أبراج سكنية في هذه المساحة الفارغة أمام المدرج، لكنه توقف إلى حين.
صورة قديمة للمبنى الرائع الذي هدم
لكني أيضا أريد أن أعرف ما الشيء الذي هدموه ونثروا أنقاضه في كل مكان بهذا الشكل في هذه المساحة التي كانوا سيبنون فيها الأبراج؟
- قصر السلطان حسين كامل، ويعرف أيضا بقصر السلطانة ملك.
كان البارون امبان قد دعا كبار القوم إلى حفل بعداكتمال بناء القصر، وكان أن انبهر السلطان حسين كامل - حاكم مصر وقتذاك - بالقصر انبهارا شديدا، وقال في نفسه كيف يمكن أن يكون هناك شخص في هذا البلد لديه قصر أعظم من قصري، فكان أن أوحى للبارون بأنه يريد منه أن يهدي له هذا القصر! اعتذر البارون بأدب فهو بنى هذا القصر لنفسه ليسكن فيه، لكن غضب السلطان كان عظيما وانصرف من الحفل. سافر البارون إلى أوروبا إلى أن يهدأ الغضب السلطاني، وفي نفس الوقت قام ببناء هذا القصر المقابل لقصره تماما والأكبر في المساحة في وقت قياسي وأهداه للسلطان كي يرضى عنه، لكن السلطان لم يرض لكنه أخذ القصر مع ذلك واهداه لزوجته السلطانة ملك! لم يعد البارون بعد ذلك إلا بعد وفاة السلطان!
القصر الآن تحول إلى مدرسة مصر الجديدة للبنات، وتمت إزالة السور الأصلي وإحاطته بهذا السور الكئيب السخيف.
الصورة من الإنترنت
يبدو أن هذه التدوينة قد طالت أكثر من
اللازم. للموضوع جزء ثان نستكمل فيه تحليل الجزء الأخير من الفيلم الثلاثيناتي فانتظروني قريبا.
أما فندق تريومف، الذي يقع في شارع الخليفة المأمون، فكانت تنتصب على الرصيف أمامه مجموعة من أكبر وأقدم أشجار البونسيانا، لكن أتى شخص ما أو جهة ما مؤخرا وتم نشرها بالمنشار لتتحول إلى مجرد عصيّ خشبية.
لكن الأنكي والأفدح ما حدث للحديقة الوسطى التي تقع في منتصف شارع إحسان عبد القدوس، الذي يقع مقابل الفندق أيضا، إذ تم القضاء – وفي ظروف غامضة – على مجموعة هائلة من أكبر الأشجار التي كانت تزين الشارع.
من يفعل هذا ولم؟ هل يبيعون هذه الأشجار كأخشاب حقا؟
الحديقة قبل المذبحة (لاحظ الكثافة غير العادية للأشجار في منتصف الصورة)..
موجة ذبح الاشجار انتقلت منذ فترة إلى الزمالك، معقل أجمل الأشجار وأكبرها وأقدمها. يمكنك أن تسير في شوارع الزمالك في منتصف النهار دون أن يسقط عليك شعاع شمس واحد ودون أن تشعر بأي حر في عز أيام الصيف الحارقة. بعض أشجار الزمالك يزيد عمرها على مائتي عام.
لاحظت مؤخرا جثثا عديدة لأشجار سامقة ملقاة على الأرصفة في كثير من شوارع الزمالك. أية فوضى وأي غباء! أعتقد أن الدولة ماتت تماما ولم تعد موجودة ليحدث هذا دون مسائلة لأي أحد من أي أحد.
في شارع 26 يوليو، وعلى بعد خطوات من ساقية الصاوي، يوجد قصر مهيب مهجور، يقع وسط مساحة شاسعة من الأرض ومحاط بغابة من الأشجار، وهناك لافتة معلقة تقول أن القصر ملك لأحد البنوك.
مررت به مؤخرا وفجعت من المنظر، قام البنك بإزالة كل نوافذ وأبواب القصر الأثري وسد مكانها بالطوب الأحمر! ما زاد المنظر غرابة كان أنني وجدت القصر واقفا وحده وسط أرض رملية قاحلة! أين اختفت الأشجار؟ لم يتبق منها سوى بقايا جذوع تبرز من الأرض!
لم أستطع تصوير المكان لكن هذه صور له من جوجل إيرث (يمكن الضغط على الصور للتكبير):