العازف

في المول التجاري الفخم، كان العازف يعزف على البيانو الأسود محاطا بحبال تمنع الجمهور من الوصول إليه، وأحد رجال الأمن يقف على مقربة.
أنيقا ووسيما في بدلته السوداء ورباط العنق الأحمر، ويعزف بمهارة حقيقية. أعرف هذه الأغنية. اسمها احلم حلما صغيرا بي، لفريق ستيناتي قديم.
لم يكن أحد ينظر إلى العازف. كان مرتادو المول من الشباب يتحركون في شلل. يتضاحكون ويتدافعون. يحدّقون في الفتارين اللامعة وفي عيونهم نهم استهلاكي لا يشبع.
انتهت المقطوعة، وتوقف صوت الموسيقى، وبدأ العازف يقلب في نوتة موسيقية أمامه.
أردت أن أخبر العازف الوحيد المعزول بالحبال أنني أعرف هذه الأغنية. أردت أن أرفع له أصبعي الإبهام محييا. كنت الوحيد الواقف أمام العازف. التقت عيناه بعيني لحظة، لكني أشحت بوجهي على الفور. اختلست نظرة أخرى عليه وهو يقلب في النوتة. في عينيه شيء من الملل وشيء من الحزن.
كان صديقي يقف على مبعدة ينتظرني وهو يتململ متعجلا. لم أرد أن أؤخره أكثر من هذا.هكذا تركت العازف الوحيد، ومضيت مفكرا في كل الأشياء التي أردت أن أفعلها.. ولم أفعلها.

أطول معزوفة فى التاريخ!

فى مكتبة الإسكندرية، فى القبة السماوية، يوجد جهاز كمبيوتر يقوم بعزف مقطوعة موسيقية – بصورة متصلة – مدتها ألف سنة!!
اسم المقطوعة هو لونج بلاير Longplayer ، وقد بدأت يوم 1 يناير عام 2000، وتستمر بدون أي تكرار حتى موعد انتهائها يوم 31 ديسمبر 2999، وعندها ستعود إلى نفس النقطة التى انطلقت منها، ثم تبدأ من جديد!
تم تصميم هذه المقطوعة بواسطة الموسيقار جيم فاينر الذى ظل يعمل فيها بين أكتوبر 1995 وديسمبر 1999. تتولّد الموسيقى عن طريق كمبيوتر يعزف ست حلقات مأخوذة من لحن مدته 20 دقيقة و20 ثانية مسجلّة من قبل، وكلّ منها له طبقات صوتية مختلفة تتطوّر بسرعات متباينة وفقا لمعادلات رياضيّة، ويخلق التناوب والتبادل الدائم بين هذه الطبقات تناغما وإيقاعات موسيقية دائمة التغيير.
يطمح مصممو المقطوعة إلى أن تتواجد عالميا على تردد خاص بها على موجات الراديو، بحيث يمكن سماعها فى أي وقت وأي مكان، كما يطمحون إلى تحويل المقطوعة من برنامج كمبيوتر إلى أداة ميكانيكية تستطيع أن تصمد لعزف الدورة الأولى من المقطوعة كاملة، والتى تستغرق ألف سنة. وقد توصلوا بالفعل إلى نماذج أولية من هذه الأداة. كما أنهم يطورون مجموعة من التقنيات التى تحاول أن تضمن استمرارية المشروع باستخدام أجهزة أكثر ديمومة من أجهزة الكمبيوتر، وذلك إذا استطاعوا الحصول على الدعم الكافى لاستخدام تكنولوجيا مركبات الفضاء. والأمر يعتمد بالأساس على التبرعات، وعلى دعم بعض المؤسسات للمشروع.
لكن ما المغزى من هذه المقطوعة؟
حسنا، إن السماء الجميلة فوقنا هائلة الحجم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تراها كلها، حتى لو قضيت عمرك كله فى مشاهدتها، لكنك إن رأيت جزءا صغيرا منها فكأنك رأيتها كلها، كذلك هذه المعزوفة. هذه هي الفكرة باختصار، محاولة التشبه بالسماء أو بالأبدية، وصنع شيء هائل بحيث لا يمكن أي إنسان أن يدركه كله.
أين يمكنك أن تستمع إلى هذه الموسيقى؟ هناك مكانين فى إنجلترا: فى لايت هاوس فى لندن، وفى حديقة رفورد قرب نوتينجهام. أيضا فى باورهاوس فى أستراليا، وفى مكتبة الإسكندرية في مصر حيث يمكنك أن تستمع إلى المقطوعة حسب مواعيد عرض الأفلام بالقبة السماوية. إذا لم تكن هناك عروض لا مانع من أن تطلب الدخول لتلقى نظرة. يمكنك أيضا أن تستمع إلى المقطوعة عبر الإنترنت فى العنوان التالي: http://longplayer.org/

أهمية الشاي في المقابلات!

كلما ذهب أحد لإجراء مقابلة ما، أيا كان نوع هذه المقابلة، سواء كانت مقابلة عمل أو زيارة عائلية، يعزم المضيف على الضيف بكوب من الشاي. قد يتم تخيير الضيف بين الشاي والقهوة، لكن في أغلب الأحيان يتم تقديم الشاي لأنه أسهل في التحضير وأسرع.
قد يبدو أن السبب في هذا هو الإصرار على ممارسة كرم الضيافة، وبلّ ريق الضيف الذي لا بد وأنه قد نشف من همّ المشوار وصعود السلالم، والمساهمة في إزالة الصداع الذي يصيب السائر في الشارع المصري سواء كان ماشيا أو راكبا.
لكن عندما فكرت مليا في الأمر، وجدت أن السبب الحقيقي لتقديم الشاي في المقابلات أهم بكثير من مسألة كرم الضيافة، فالهدف الحقيقي من مسألة تقديم الشاي هو تحديد موعد القيام! لا شك أن وجود ضيف يجلس في المكتب بدون كوب شاي أمامه، يفتح الباب لإطالة الجلسة بدون داعٍ، حيث لا تكون هناك إشارة لانتهاء الموعد سوى تكرار النظر إلى الساعة والتململ في المقعد مع الردود المقتضبة التي لا تفتح الباب لمزيد من الحديث.
ويعطي الشاي فكرة تقريبية عن الموعد الذي يجب أن يقوم فيه الضيف ليكون ضيفا خفيفا وغير مزعج، حيث يجب أن يتزامن القيام مع الشفطة الأخيرة من الكوب، أو أن يعقب الشفطة الأخيرة بقليل. وفي حالة الزيارات العائلية التي تكون أطول قليلا يقوم رب أو ربة البيت بتقديم مشروبات أو مأكولات أخرى بعد الشاي أو قبله، كالجاتوه والمشروبات الغازية، وهذه المأكولات والمشروبات أيضا تؤدي نفس الدور الذي يؤديه الشاي في المقابلات.
لعل هذا ما يجعل محصول الشاي من أهم المحاصيل الزراعية في العالم، والتي تسعي الكثير من الشركات والحكومات للسيطرة على منابع زراعته وتجارته، ففي عالم تسيطر عليه المصالح الاقتصادية لابد وأن يكون الشاي ضروريا هكذا طالما له كل هذه الأهمية في المقابلات!